الميتافيرس: عالم جديد مذهل!
الميتافيرس: عال
م جديد مذهل!
ظل مصطلح "الميتافيرس" هو أكثر الكلمات شهرة وتداولاً في عام 2021، وقد استمر هذا بقوة في عام 2022. جذب هذا المفهوم استثمارات بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى الكثير من التشويق والقلق والاهتمام بهذه الفكرة المذهلة. يشبه عالم الميتافيرس اليوم إلى حد كبير ما كانت عليه شبكة الإنترنت في ثمانينيات القرن الماضي، حيث الضجة الكبيرة والتخوّف من مستقبل الاتصالات، ولكن القليل منا عرف ما كانت ستبدو عليه أو كيف ستتطور.
إذاً، ما المقصود بالميتافيرس؟ هذا المصطلح ليس حديثاً، وتم تداوله عبر سنوات كثيرة. ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى على يد المؤلف Neal Stephenson في عام 1992 في رواية الخيال العلمي Snow Crash. وفي هذه القصة، كان الميتافيرس عبارة عن عالم رقمي موجود بالتوازي مع العالم الواقعي. يجمع الإصدار الحالي من الميتافيرس بين عدد من الصفات المختلفة للوسائط الاجتماعية، والألعاب عبر الإنترنت والواقع المعزز والواقع الافتراضي. العملات الرقمية هي الوسيلة التي يعتمد عليها المستخدمون للتعامل مع بعضهم البعض في العالم الافتراضي والتفاعل والربح والبناء في هذا النظام. يمثل الميتافيرس بالنسبة إلى الكثيرين الجيل التالي للإنترنت، وسيكون المستقبل تجربة شاملة تجعل العالم الرقمي أكثر ارتباطاً وقرباً من العالم المادي.
واليوم، يمكننا أن نعرض أي شيء نريده عبر الإنترنت، ولكن غداً سيتعلق الأمر بتوفير تجربة شاملة وجذابة عبر الإنترنت. لنفترض أنك وزوجتك تريدان البحث عن شقة جديدة للانتقال إليها. يمكنكما الآن تصفّح الإنترنت للاطلاع على الصور والآراء، لكن الميتافيرس (الويب 3.0) يسعى إلى إنشاء عالم رقمي حيث يمكنك تقريباً التجوّل داخل الشقة كأنك بداخلها بالفعل، باستخدام الواقع المعزز أو الواقع الافتراضي. ويمكن لمجال التعليم أيضاً الاستفادة بقوة من عالم الميتافيرس. يرتبط التعليم الجيد مثلما هو اليوم بالحضور المادي بدرجة كبيرة. ولكن إن استطعت إنشاء تجربة شاملة وواقعية بدرجة كبيرة، فسنتمكن من توفير تجربة تعليم على مستوى عالمي، وبعبارة أشمل سنوفر أي "تجربة" لجميع الأشخاص حول العالم.
إذاً لماذا يقلق البعض من الميتافيرس؟ يطلب منا الفيلسوف Robert Nozick في كتابه الصادر في عام 1974 بعنوان "Anarchy, State, and Utopia, and The Examined Life"، أن نتخيل آلة يمكنها محاكاة كل ما نتمناه أو كل التجارب التي نريد أن نعيشها. ثم طرح سؤالاً مهماً: هل نفضل حياة توفرها محاكاة الآلة أم الحياة الواقعية؟ كما يمكننا أن نتخيل، سيكون من الصعب الاختيار. ربما يحصل جميعنا على فرصة الاختيار مثلما فعل "نيو" في فيلم "Matrix"، هل سنتناول الحبة الزرقاء أم الحمراء؟ وفي المستقبل حيث تصبح التجربة الرقمية الشاملة قريبة للغاية من الواقع، ستصبح الحياة الرقمية تجربة أكثر متعة بالنسبة إلى الكثيرين. لذا سيصبح السؤال هو، ما الذي سيحدث لعالمنا الواقعي؟ وفي المستقبل القريب، ربما يصبح بإمكاننا الانتقال من مرحلة معاينة الأشياء عبر الإنترنت إلى تجربتها بشكل كامل.
لذا بالنسبة إلى من يقلق من هذا الأمر، قدّم Robert Nozick بعض النصائح حول كيفية تعاملنا مع هذا العالم الجديد. أولاً يجب علينا اتخاذ قرار وألا نكتفي بتجربة بعض الأشياء فقط، لذا فإن تجاربنا مرتبطة بأفعالنا. ثانياً، نحن نريد أن نصبح شخصاً معيناً، وفكرة الواقع التخيلي توفر مظهراً صارماً مقارنة بشخصياتنا كأفراد. وأخيراً، بصرف النظر عن مدى التطور في الواقع الظاهري، فإنه سيظل مرتبطاً دائماً بما يمكننا صنعه كبشر، وستظل الحياة الواقعية زاخرة بالإمكانيات والتطور بلا حدود. لذا فإن الحقيقة هي أنه من الصعب نسخ الواقع، والآن، يظل الميتافيرس وما يطوره مبهماً بالنسبة لنا مثلما كانت الإنترنت طيلة عقود مضت.
وبرغم ما سبق، من المحتمل في وقتنا الحالي أن يصل حجم رأس المال السوقي لتقنية الميتافيرس إلى 800 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024. اتخذت أكبر شركات التكنولوجيا في العالم مثل ميتا (فيس بوك سابقاً) ومايكروسوفت وأبل وجوجل، خطوات كبيرة لجعل هذا الحلم حقيقة. نحن لم نصل إلى النتيجة المرجوة بعد، كما لم يتحقق احتمال إنشاء الميتافيرس لنسخة ثلاثية الأبعاد من الإنترنت بشكل كامل، ولكن هذه الخطوة هي منتظرة بلا شك. ومن المتوقع أن يتطور عالم الترفيه والموضة والألعاب بقوة أولاً، كما يعتقد الخبراء أن مجال التعليم سيكون من الحالات الأكثر استفادة من هذه التقنية المذهلة. ستكون هذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من توفير تجربة تعليمية رقمية وشاملة للأشخاص في جميع أنحاء العالم في الوقت الفعلي. وفي عصرنا الحالي، توجد بعض العقبات التي تقيد التطور مثل الأجهزة وقابلية التشغيل البيني. وفي الواقع، يمكننا بناء هذه المنظومة والعالم الجديد، ولكننا لا نعيش فيه... على الأقل حتى الآن
تعليقات
إرسال تعليق
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني